الشاشة الرئيسيةمقالات

بين حد الجوع وحد العبثية … ثمة متسع للسؤال المر… لماذا؟

الدكتور عبد المهدي القطامين
حين ضاقت الدنيا معيشيا على ابناء الوطن في نهاية العقد الثامن من القرن الماضي ومر الاقتصاد الوطني بضائقة غير مسبوقة خرج فتية من أبناء معان هاتفين بأسقاط حكومة زيد الرفاعي التي لجأت وبدون سابق انذار الى رفع اسعار الخبز وسلع اخرى الامر الذي ادى الى اندلاع هبة نيسان من مدينة معان لتنتشر لاحقا في عدة محافظات ومدن اردنية وكان المطلب الرئيس التراجع عن رفع الخبز واسقاط الحكومة التي قامت بذلك وتحقق لهم ما أرادوا لتظل تلك الهبة علامة فارقة في تاريخ الاردن الحديث . وتشكل العودة الى الحياة الديموقراطية التي توقفت طويلا بفعل اسباب داخلية وخارجية معا .
اليوم ربما عاد المشهد مجددا ليكرر في الوطن كله فرياح التنمية لم تهب من الجنوب ولم تهب من الشمال لكنها ظلت تراوح مكانها يقودها قطط سمان اثروا في حالات الرخاء والشدة وظلت الحكومات المتعاقبة عاجزة عن ان تجد الحلول لاقتصاد اعتمد تاريخيا على المنح والهبات والتي تضاءلت الى حد العدم هذه الايام بفعل رياح التغيير التي ضربت العالم اجمع واصبح الدفع منحة او قرضا مرتبطا بالكثير من القضايا المصيرية للوطن والتي لا يقبلها أي عاقل.
ويبدو ان الحكومات التي اعتمدت كليا على سياسة فرض الضرائب والرسوم دون اللجوء الى خلق تنمية حقيقية تعتمد على الاستثمار الرأسمالي وخلق فرص العمل وفي ظل غياب القدرة على توفير الوظائف عبر الاقتصاد الذي بدأ يميل الى الانكماش والتباطؤ ظلت الحكومات في مأمن من غضبة الجمهور ردحا من الزمن وهي تستخدم ذات السياسة الجبائية وذات الابتعاد عن هموم الناس وقدرتهم على البقاء ضمن حيز الحياة المعقولة في وطن بدأ يتألم من جنوبه الى شماله جراء سياسات غير رشيدة في إدارة الشأن العام مع تزايد الضغوط الخارجية على الاردن الذي اعتمد طويلا على توازنات إقليمية ودولية وفرت له بعض أسباب البقاء كدولة محورية في المنطقة قادرة على لعب السياسات الخارجية بعيدا عن العواقب الوخيمة التي طالت العديد من دول المنطقة التي لم تتقن لعب سياسة متوازنة تقوم على قراءة الواقع وقواه وتراشقاته ثم تتخذ القرار الأقرب الى العقلانية البعيد عن التطرف او التفرد .
.
وما يلاحظ انه وفي الآونة الأخيرة بدا ان الحكومات لا تلتقط الإشارات الصادرة عن الملك بصفته رأس السلطات الثلاث وبدا ايضا ان الحكومات ظلت عاجزة عن إيجاد الحلول المنطقية لمعالجة تباطؤ الاقتصاد وترديه حتى وكانت اقرب السبل اليها هي جيب المواطن فتم فرض العديد من الضرائب تحت مسميات الرسوم وهي ضرائب ارهقت المواطن واطاحت بما تبقى من مداخيل لا تصمد طويلا امام التزامات الاسر وحاجاتهم .
ما هو الحل كي لا تتكرر احداث كاحداث الجنوب في مناطق أخرى وهل هناك نية لدى هذه الحكومة او اي حكومة قادمة معالجة كل اسباب التازيم ؟ يبدو ان الإجابة على هذا السؤال مرهونة بمدى قدرة الحكومة اي حكومة وجديتها في المضي باصلاحات هيكلية اقتصادية بالتعاون مع القطاع الخاص وبمدى استجابة الاقتصاد الكلي لمثل هذه الإجراءات اذ انه ليس هناك مستحيل في عالم الاقتصاد فبلدان صغيرة بلا موارد استطاعت ان تقفز من ذيل قائمة الاقتصاد العالمي الى مراتب متقدمة وكان السبب واحد لا ثاني له وهو النية الحقيقية للاصلاح ومحاربة الفساد الذي اصبح هذه الايام غول الحكومات وغول الاقتصادات الذي ينهشها بلا رحمة .
ما لا يدركه بعض الطارئين على الحكم وصنع القرار في الاردن وربما يدركونه ولكنهم يختفون خلفه ان العقد الاجتماعي بين الشعب الاردني وقيادته ما زال رغم سنوات من الضعف وثيقا واي عاقل في هذا الوطن يدرك ان القيادة الهاشمية هي صمام امان للوطن وللناس هكذا علمتهم التجربة والمنطق ايضا بمعنى ان الوعي الشعبي بعمومه ومن اعماقه يدرك ان تلك القيادة والتي ارتبطت بوجود وتأسيس الدولة الأردنية الحديثة في بدايات القرن الماضي هي قيادة شرعية استندت للتاريخ والدين وان اي مساس او محاولة الخروج عن هذه القيادة هو خيانة تاريخية ودينية ووطنية في آن …فهل تلتقط حكومات الاردن المتعاقبة هذه المسلمة بعيدا عن لغة التغني غير المرتبطة بخطط فعلية تعيد للحكم الوطني بهائه ونقائه بعيدا عن ممارسات حكومية اوهنت علاقة الناس بالقيادة او كادت.
نحن الان اكثر من اي وقت مضى بحاجة الى حكومة وطنية اشخاصها ممن لم يعرف عنهم اي فساد ولا شللية وممن يرون ان الوطن لا يبنى ابدا بالهبات او ردات الفعل لكنه يبنى بالخطط الواقعية التي تقوم على المنهج العلمي وعلى تعزيز موارد الدولة وصيانتها وحمايتها ومحاربة واقعية للفساد المنتشر في اوصال المجتمع ومراكز صنع القرار وبغير ذلك فأننا سنظل نعلي صوت المطحنة لكنها لن تطحن سوى الغبار الذي يلف المشهد كاملا بضبابية مروعة ومحزنة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى