الشاشة الرئيسيةفكر وثقافة

د. طارق بوحالة: مفهوم “الفيلسوف” عند الباحث الجزائري فارح مسرحي

د. طارق بوحالة
صدر للباحث الجزائري الدكتور فارح مسرحي أستاذ الفلسفة بجامعة باتنة في مجموعة من الكتب ضمن سلسلة أعلام الجزائر االتي تنشرها دار الوطن اليوم الجزائر، ومنها كتابه الذي خصصه للفيلسوف الجزائري عبد الرحمان بوقاف، فيلسوف النقد والتنوير في الجزائر، في طبعته الأولى 2022.
حاول الدكتور فارح مسرحي في هذا الكتاب الكشف عن شخصية الفيلسوف الجزائري عبد الرحمان بوقاف، ووعرض المحطات الكبرى لمسارها المعرفي، وأهم القضايا الأساسية التي شغلته طيلة هذا المسار، والأسباب الموضوعية والذاتية التي جعلته قليل التأليف. وانصرافه عن ذلك إلى التدريس وتكوين الباحثين في الفلسفة.
وقد ركزنا في هذه الورقة الحديث على “مفهوم الفيلسوف” وأهم أشكاله ومدى غيابه دورا واستعمالا في الثقافة العربية خاصة المعاصرة منها.

يفتح الباحث نقاشا مهما يخص راهن الدرس الفلسفي ومستقبله في الجزائر، منبّها إلى ضرورة مراجعة كثير من المسلمات والمقولات المكرسة على شاكلة مبالغتنا “في التعالي باسم الفيلسوف حتى امتنع من أن ينطبق على أحد، وهو لا يستحق كل هذا التعالي ولا كل هذا الحذر والخواف، طبعا لا يعني ذلك ابتذاله وإطلاقه على أيّ كان، فهو اسم يدل على وظيفة واضحة في الاشتغال بالفلسفة وموضوعاتها المختلفة أشكلة وتحليلا وتنظيرا وتبريرا، ولكل وظيفة أدواتها الخاصة، والفلسفة أدواتها هي مفاهيمها ومناهجها.” ص 13، 14.
يدعو هذا الرأي إلى التصالح المعرفي مع مفهوم الفيلسوف وتحديد دوره في تشكيل معالم التفكير الفلسفي، ومساهمته في إنتاج مشروع فلسفي مستمر. لهذا يجب أن نميز بين مدرس الفلسفة ودارسها وبين المتفلسف والفيلسوف، خاصة وأننا نعثر على خلط كبير بينها جميعا، فبعض الذين يدرسون الفلسفة في مستوياتها العالية هم مجرد تقنيين؛ دورهم الأساسي هو إعادة نقل وتمرير الأفكار الفلسفية إلى طلبتهم وتعليمهم مدارسها ومناهجها بطريقة التلقين المخل في كثير من الأحيان.
بينما يرتبط مفهوم الفيلسوف بوصف مغاير تماما، لهذا يقدم الدكتور فارح مسرحي تمييزا مهما بين استعمال تعبير الفيلسوف واستعمال تعبير المفكر، وما هو الدافع الذي جعلنا نبتدع ” في ثقافتنا العربية كلمة “مفكر” لوصف المشتغل بالفلسفة في السياق العربي الإسلامي بدل وصفه ب”فيلسوف”؟ هل المفكر أدنى مرتبة من الفيلسوف وأقل شأنا منه؟” ص 10.
ويحاول الباحث مناقشة هذه الإشكالية قائلا: “من الواضح أن كلمة مفكر تنطبق على المشتغل بالفلسفة مثلما تنطبق على المشتغل بغيرها من مجلات الفكر والثقافة، ومن ثم فإطلاقها على المشتغل بالفلسفة فيه تعميم وتعويم يبعدنا عن الدقة المطلوبة، ينتج عن ذلك أن وصف المشتغل بالفلسفة بالمفكر لا ينقص من قيمة الموصوف، ولا هو يزيد منها، بل هو وصف عام لا هو بالدقيق ولا بالمفيد.” ص10، 11
ويمكننا أن نضيف إلى هذا السبب أن وصف المفكر في الثقافة العربية هو أوسع من وصف الفيلسوف، و يبدو أن استعماله من قبل الكثيرين باعتباره محاولة للاحتماء من “حدود الفيلسوف” وعدم الإقرار بها بشكل دقيق وواضح. وكأن المفكر له الحرية في التنقل بين مجالات المعرفة دون حرج يذكر، عكس استعمال ” لفظة الفيلسوف” التي قد تفيد التخصيص أكثر من غيرها.
ويتتبع فارح مسرحي أهم محطات استعمال لفظة الفيلسوف في المنجز الغربي، التي تغيرت بتغير المنعطفات الفلسفية منذ الفلسفة اليونانية وصولا إلى الفترة المعاصرة، مبيّنا أن فلاسفة عصر التنوير في أوربا لم يكونوا بالاحتراف أو التكوين، ومع ذلك تناولوا مختلف القضايا السياسية والأخلاقية التي هي من صميم البحث الفلسفي، غير إن تناولهم كان نقديا وهو شرط استحقاق لقب الفيلسوف، ويستند على قول الدكتور “عبد الرحمان بوقاف” الذي يرى أن ” التناول النقدي كان مطلبا اجتماعيا يعبر عن التوثب للمستقبل، وفي هذا السياق كان لفظ “فيلسوف” خاصة بالفرنسية” Philosophe ” يعني كل مثقف مهتم بالمسائل التي تنادي بها اللحظة” ص 12
يظهر من هذا القول أن مفهوم الفيلسوف ودوره في السياق الغربي ممثلا في الفكر الفرنسي يرتبط أساسا بواقع اجتماعيي فرضته شروط تاريخية خاصة.
ويواصل الباحث حديثه عن مفهوم الفيلسوف مستدعيا مكانته في الثقافة الغربية، حيث يوجد ” ممن يطلق عليهم لقب الفيلسوف ليسوا فلاسفة بالتكوين، ففي ظل التقارب والتداخل بين التخصصات الإنسانية والاجتماعية، نجد الكثير من المختصين في علم الاجتماع والأنتربولوجيا أو علوم اللغة يطلق عليهم لقب الفيلسوف والأمثلة كثيرة (كلود ليفي ستروس، بيير بورديو، رولان بارت، ) وهذا إما لأن مقارباتهم لموضوعات اشتغالهم كانت ذات طابع نقدي وبالتالي فلسفي، أو لأنهم بحكم تقارب التخصصات وحاجتها لبعضها البعض تداخل في دراساتهم ما هو نفسي أو اجتماعي أو لغوي بما هو فلسفي، دون أن يطرح ذلك أي إشكال أو حرج على مستوى التسمية.” ص 12، 13
نستنتج مما ذكرناه سابقا أن دور الفيلسوف هو دور نقدي بامتياز، وليس النقد بمفهومه الشائع البسيط الذي يفيد الدور السلبي، لهذا فإن النقد هو عصب الفلسفة، وذلك بعيدا عن الموقف السائد اتجاهها واتجاه كثير من العلوم الإنسانية والاجتماعية، كونها علوم تشجع على التفكير والابتكار والإبداع ولا تقل درجة ومكانة عن العلوم التقنية والبيولوجية وغيرها.
وقد سبق وأن بين الباحث فارح مسرحي راهن الدرس الفلسفي في الجزائر من خلال كتابه: الفلسفة في الجزائر الذي ناقش فيه كثيرا من القضايا والإشكالات التي تخص تلقي الفلسفة في الجزائر درسا وكتابة واشتغالا يوميا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى