الشاشة الرئيسيةمقالات

د. الحسبان يكتب: صناعة الأزمات إذ تمهد لتمرير أقبح السياسات! كتب د.عبدالحكيم الحسبان

الغواص نيوز

في العام 2014 وبتاريخ السابع والعشرين من شهر ديسمبر هز انفجار وقع في صحراء سيناء خط الغاز العربي الذي ينقل الغاز المصري عبر سيناء. التفجير كان رقمه السابع والعشرين لذات خط الغاز, وفي كل مرة كان تنظيم داعش يتبنى تفجير خط الغاز. تواتر التفجيرات حينها التي تركزت على تعطيل أحد خطوط الطاقة التي تمثل شريان الحياة والتطور لمجتمعات اليوم، كما تستهدف أحد خطوط الربط والتشبيك الإقليميين بين الجناحين الإفريقي والأسيوي من العالم العربي.

التفجيرات السبع والعشرون التي ضربت خط الغاز المصري عبر سيناء إلى الأردن فسوريا ولبنان، لم تكن تسترعي كثير انتباه على صعيد التغطية الإعلامية، كما على صعيد دوائر صناعة القرار حينها في المنطقة، فقد كانت التفجيرات تبدو وكأنها حزء طبيعي من مشهدية الفوضى والدم والنار التي وسمت المشهد العربي إبان ما سمي حينها بأحداث “الربيع العربي”.

وبالرغم من أن الاستهداف كان حينها في غاية التركيز والحصرية بحيث يستهدف ضرب أحد خطوط الطاقة، مع تعنيه الطاقة والصراع عليها في عالم اليوم، وبالرغم من أن الاستهدافات المتتالية كانت في سيناء المصرية التي يعرف أبسط قارئي السياسة أنها جزء من الامن القومي الصهيوني، وأن صحراء سيناء التي لا يفصلها عن الكيان أي عوائق جغرافية وطبيعية هي في قلب المتابعة والنشاط بل والتلاعب الصهيوني، وحيث النشاط ألاستخباري الصهيوني هو في ذروته في هذه المنطقة بالنظر لحساسيتها على أمن الكيان، وبالرغم من كل هذه الاعتبارات، فقد نجحت الأيدي التي قيل أنها داعشية والتي تريد الوصول إلى شريان الطاقة في سيناء الذي يربط مصر بالمشرق العربي من الوصول إليه وتخريبه لاكثر من 27 مرة متتالية على مبعدة كيلومترات قليلة من حدود الكيان الصهيوني.

وأما أم المفارقات، أن التفجيرات المتواترة في سيناء كان يدور صداها في عمان وفي المدن الأردنية، وبما يفوق كثيرا تلك الأصوات التي كان يسمعها أهالي سيناء نفسها. فقد كان هناك من يريد للأردنيين أن يسمعوا أصوات التفجيرات، وأن يدفعوا ثمنها بأكثر مما تسمعه آذان سكان سيناء الذي يمر خط الغاز المستهدف بين ظهرانيهم. ففي عمان بدأ كثير من صناع القرار ينتجون مادة إعلامية يومية عن ضرورة رفع أسعار الكهرباء بسبب تعطل خط الغاز العربي المغذي لمعامل إنتاج الكهرباء في الأردن.

ولأشهر طويلة تعرض المواطنون الأردنيون لموجات مكثفة من الضغط النفسي والمعيشي والإعلامي كان منظما ومنسقا ومكثفا، وبما يشي بوجود أجندة تتسم بالتناغم بين أهداف من يقوم بتلك التفجيرات المشبوهة في سيناء المصرية، وتلك التفجيرات الصوتية والإعلامية التي تواترت على مسامع الأردنيين في عمان والسلط واربد وجرش والكرك.

وبعد أعوام قليلة من معاناة عاشها الأردنيون مع أثمان الكهرباء العالية، وتحت وطأة تلك الأصوات السياسية والإعلامية التي كانت تواكب تلك التفجيرات القبيحة في سيناء، وبعد أن أشبع الأردنيون حديثا عن أزمة الطاقة وأسعارها، وبعد أن تم إذاقة الأردنيون الكثير من ويلات أثمان الكهرباء المرتفعة، فوجئ الأردنيون بتوقيع اتفاق الغاز التطبيعي مع الكيان بصفقة تزيد عن العشرة مليارات من الدولارت.

وبتوقيع الصفقة مع الكيان هدأت أصوات التفجيرات في سيناء، ولم تعد الأيادي الداعشية مهتمة بصناعة الربيع الديمقراطي للشعوب العربية أو لبعضها على الأقل. وبتوقيع صفقة الغاز بات الكيان، هو في موقع المتحكم في شريان الطاقة للأردن، وبات الكيان الصهيوني هو في مركز التشبيك الإقليمي على صعيد الطاقة مع الأردن، وليس مصر العربية الشقيقة. وفي موازاة كل السياسات التي تربط الأردن استراتيجيا بالكيان، كان يجري جهد حثيث وخبيث لعزل الأردن اقتصاديا وسياسيا وثقافيا عن محيطه العربي في سوريا ولبنان والعراق، فالعقوبات الأمريكية ومنذ سنين تقوم على عزل الأردن عن محيطه العربي وربطه حصريا بالكيان الصهيوني.

وبعد التمرير الموفق والسلس -تحت الضغط المعيشي والنفسي والإعلامي الذي عاشه الأردنيون- لاتفاقية الغاز مع الكيان وبدون أي مرور لها بالقنوات الدستورية والقانونية، يعيش الأردنيون ومنذ أشهر يوميات ملف المياه. فعلى مدى أشهر لا يكاد يخلد الأردنيون للنوم ليلا إلا وهم يسمعون ويقرؤون خبرا، أو يشاهدون مادة مصورة عن جفاف سدود لم يعتادوا في كل حياتهم أن يشاهدوا مناظرها وهي فارغة وجافة، ولم يتح لذاكرتهم أن خزنت صورة عن جفاف لسد منذ أن عرف الأردن صناعة السدود وبنائها. صور السدود وقد جفت، وتشققت أرضياتها، ونفقت أسماكها، ومع كل هذا الضخ الإعلامي، تم إنتاج مصدر جديد للخوف والقلق، وبما يشي وكأن هناك ماكينة تبرع في صناعة الخوف الجمعي توطئة لتمرير قرارات، ولاشتقاق مسارات جديدة في حياة الأردنيين، لا يمكن لهم أن يقبلوا بها في ظروف عادية، ولكنهم سيقبلون بها ضمن سياقات الخوف والقلق والإحباط الجمعي والجماعي.

ومع كل جفاف لسد، ومع كل يوم في تأخر الموسم المطري الذي تبين كل الوقائع العلمية أنه يتم المبالغة في خطورته، في منطقة يعرف كل ذي لب أنها تقع ضمن نطاق المناطق الجافة وشبه الجافة على مستوى العالم، وحيث أهم ما يميز الإمطار في هذه المنطقة هو تذبذب كمياتها، كما أشهر سقوطها وتوزع كمياتها عبر السنين والأشهر والمناطق، هناك من يستثمر في السياسة وفي الإعلام ما سبق أن استثمره في الثلاثين تفجيرا التي ضربت الغاز العربي، ووصلت إلى خواتيمها السعيدة صهيونيا بتوقيع اتفاق الغاز الأردني الصهيوني.

وبعد أسابيع من الضخ الإعلامي عن ندرة المياه، وعن خطورة ملف المياه على مستقبل الأردن، وعن أهمية البحث عن مصادر جديدة للمياه، وبدلا من البحث عن مصادرها إما داخل الأرض الأردنية، أو عند الجيران والاشقاء الإقليميين في العراق وسوريا ولبنان أو حتى تركيا، يفاجأ الأردنيون بتوقيع اتفاق أردني صهيوني في الإمارات يعطي الكيان الصهيوني ورقة الضغط الاستراتيجي في ملف المياه بعد أن امتلك ورقة التحكم في ملف الغاز والطاقة.

ما أشبه الليلة بالبارحة!!! فبعد كل أزمة يعيشها الأردنيون، يكون الصهيوني هو المنقذ وهو الخلاص. من حق الأردنيين، أن يشكوا فيما يجري، ومن حقهم أيضا عن يسألوا ويتساءلوا فيما إذا كان هناك من يريد أن يجعل البارحة التي أفضت إلى توقيع اتفاق الغاز المشئوم تتناسل لتشبه هذا اليوم الذي يعيشه الأردنيون, ولكن على صعيد ملف المياه هذه المرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى