الشاشة الرئيسيةمقالات

التقارب الصيني العربي: كيف نجعل مبادرة الحزام والطريق نعمة لا نقمة

الغواص نيوز

رزان زعيتر
سعد الكثيرون منا مؤخراً بالتقارب العربي الصيني وذلك في ظل هيمنة أحادية غربية أمعنت في إضعافنا عبر حروب متنوعة تخوضها خارج بلادها بلا أي محاسبة، بينما نحن غارقون في العبثية السلبية والإحباط في استلاب كلي لسيادتنا وإرادتنا السياسية.
سعدنا لأننا بأقصى حاجة لكسر أحادية القطب العالمي الأمريكي والذي لا نزال نعتقد أن شره هو الأدهى والأمر والأعنف والأخبث من كل طموح التنين الأصفر؛ فهو الحليف الرئيسي لمحتل أراضينا وهو كبريطانيا السبب الجذري لكل مآسينا.
لقد أعلنت بيجين في عام 2013 عن “مبادرة الحزام والطريق” التي تهدف إلى ربط الصين بالاقتصاد العالمي مستلهمة “طريق الحرير”الذي كان عبارة عن طرق ودروب ربطت الشرق بالغرب لتيسير التجارة.
ad
تؤكد رؤية وأهداف هذه المبادرة أن هناك فرصة كبيرة للتعاون العالمي عبر تنسيق السياسات وربط المرافق والتجارة دون عوائق، والتكامل المالي والروابط بين الشعوب. وقُدّرت الاستثمارات المتوقعة بـ “تريليون” دولار أمريكي بحلول 2027، وذلك عبر تطوير الموانئ والطرق والسكك الحديدية وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية ومحطات توليد الطاقة.
بيد ان كل هذه المزايا وكما علمنا التاريخ وعلمتنا الحياة والتجارب قد تصبح كارثية على الدول إذا غاب عن هذه الاتفاقية التفاوض المهني والسيادي القوي والعادل الذي يحفظ سيادة هذه الدول وحقوق شعوبها، لا بل قد يحرض على مزيد من الفساد والاستبداد والاضرار بالفقراء خاصة ساكني الأرياف منهم، ومع أن للمبادرة إنجازات ونجاحات كبيرة إلا أن هناك تحديات حقيقية يجب الوقوف عندها وتحليل سقطتها عند التفاوض ودراسة كل حالة حسب ظروفها الخاصة وفقاً لمعايير الاستدامة والعدالة والربح المتبادل لأنه إذا لم نفعل ذلك سنخضع حتماً لمهيمن جديد ولكن باللغة الصينية هذه المرة. ومن الأمثلة المهمة حول هذا ما حدث ما حدث مع ميناء جوادر في باكستان، فبحسب أقوال قيادية شعبية باكستانية زميلة في التحالف العالمي الشعبي للسيادة على الغذاء PCFS، فإن الصين وقعت في إشكالية لدى البدء باستثماراتها الخارجية حين استعملت التمويل والإقراض كما تفعل منظمات التمويل الدولية كالبنك وصندوق النقد الدوليين ووكالات الدعم الأمريكية والأوروبية كوسيلة للسيطرة على الموارد. ففي باكستان استثمرت الصين 64 مليار دولار واستأجرت ميناء جوادر لمدة 49 عاما تكون الإدارة خلالها صينية بالكامل. وبما ان الباكستان عجزت عن سداد ديونها؛ فقد استسلمت لفقدان سيطرتها الكاملة على المشروع، وأكدت صديقتي أن المشروع مع الأسف يفتقر لشروط الاستدامة، فقد ارتفعت أسعار الأراضي الزراعية وطُرد مئات المزارعين الصغار عبر عمليات مكثفة للاستيلاء على الأراضي، وزادت معدلات التلوث بسبب استخدام الفحم واستبدال العمال الباكستانيين بآخرين من الصين أغلبهم سجناء، مما فاقم الفقر والبطالة المحلية.
أما في سيريلانكا، فقد استأجرت الصين ميناء “هامبانتونا” لمدة 99 عاماً، ثم استولت عليه بالكامل بعد فشل الحكومة في سداد القرض الصيني مما أدى ايضاً لتشريد المزارعين وفرض ضغوط هائلة على عيش الصيادين وعلى البيئة.
قد ينصح قائل بعدم الغرق في التفاصيل كون هذه تشابكات سياسية في آسيا ولا تعنينا بشكل مباشر في المنطقة العربية، وعوضاً عن ذلك أن نصب تركيزنا على نقاط التلاقي مع المبادرة، التي قد تعكس فوائد تنموية على المدى البعيد لا سيما في منطقتنا التي تعتبر من ضحايا دول الشمال، حيث أسست الصين بهذه المبادرة ليس فقط منظور جديد للعالم متعدد الأقطاب، بل إنجاز لبنى تحتية جديدة في جنوب العالم وشرقه أسست لنظام اقتصادي مغاير للرأسمالي الغربي المسيطر.
وهناك متحمسون لهذا الطرح خاصة أن هناك فرصة كبيرة لاستخدام جغرافية المنطقة العربية “الإلزامية” في المبادرة وانعكاس ذلك على تعزيز التواجد العربي اقليمياً وعالمياً أيضاً.
وهذا ما لمسناه في قمة الصين ومجلس التعاون الخليجي الذي عقدت مؤخراً في السعودية بحضور دول عربية أخرى، حيث أكد الطرفان التزامهما بالحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين والعالميين. ولقد تحرك منتدى التعاون الصيني العربي في إطار مبادرة الحزام والطريق وذلك في عام 2018، بهدف تحقيق التنمية المستدامة والتعاون العلمي والنمو المستدام حيث ركزت الصين في تعاونها مع الدول العربية على 3 محاور الطاقة، والبنية التحتية، وتسهيل التجارة والاستثمار، عبر التكنلوجيا المتقدمة. وعقدت مذكرات تفاهم مع السعودية والسودان والعراق والكويت، وعُمان ولبنان، ومصر، والمغرب، والبحرين، والإمارات، وليبيا، والجزائر، وتونس، وسوريا، واليمن، وجيبوتي.
ومع كل ما ذكر نعيد التأكيد أنه من البديهي والمتوقع أن تبحث الصين عن مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية تماماً كما تفعل دول المؤسسات القوية والغنية الأخرى وتبقى الدول في الجنوب مساحات مباحة ومستباحة لتحقيق هذه المصالح ما دامت لا تمارس سيادتها على مواردها.
دعوتنا لتحقيق حلم ودعاء كل ذي فكر حر وشريف لتشكيل حلف إقليمي عربي إسلامي على ضوء المشتركات العظيمة التي تجمعنا على أن يضم دولاً أخرى مستقبلاً. علينا أن نصبح قطباً ثالثاً يفرض احترامه على كل الأطراف وان نبدأ من أنفسنا بإيقاف الحروب البينية أولاً، وترميم العلاقات العربية – العربية ثانياً، وعلى دعم وتعزيز التنمية المستدامة في كل الإقليم عبر التكامل العربي وذلك لتشكيل قاعدة انطلاق صلبة اقليمياً ودولياً.
قد يبدو هذا صعباً على ضوء ما حصل ويحصل في سوريا والعراق واليمن ولبنان والسودان والمغرب العربي، ولكن البديل هو دمار أكثر فظاعة وخسارة بشرية واقتصادية لا يمكن تصورها. البديل هو الإذعان والإذلال ومزيداً من الدول الفاشلة، البديل هو ان نظل أحجار تحركها القوى على رقعة الشطرنج.
ما ندعو إليه ليس مستحيلاً إذ كما أسلفنا توفرت الإرادة السياسية للسيادة على مواردنا وضمائرنا.. وكرامتنا.
عمّان – الأردن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى