الشاشة الرئيسيةمنوعات

الكتب في غزة.. من مصدر للثقافة إلى وقود للطهي والتدفئة

الغواص نيوز
في ظل الكارثة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة بفعل الحرب وغياب مقومات الحياة ومن بينها غاز الطهي الذي تمنع إسرائيل دخوله إلا مؤخرا وبكميات محدودة، اضطر العشرات من المواطنين لحرق الكتب المدرسية والثقافية ورسائل الماجستير والدكتوراه لإشعال النيران وسط نفاد شبه كامل للحطب في بعض المناطق.
ومنذ الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لجأ الفلسطينيون للطهي بالطرق القديمة باستخدام الحطب وأوراق الكرتون من أجل إشعال النيران بهدف الطهي والتدفئة، إلا أنهم اتجهوا مؤخرا للكتب الثقافية لتحقيق هذا الهدف للاستمرار في الحياة بأقل المقومات.
ومن غالبية مناطق القطاع المكتظة بالسكان خاصة في الجزء الجنوبي، ينبعث الدخان الأسود الكثيف الناجم عن حرق الأوراق، ويتداخل مع دخان القصف الإسرائيلي مسببا ما يصفه المواطنون بـ”ضبابية الرؤية”.

كما يسبب الدخان الناجم عن هذه المواد المحترقة، أمراضا في الجهاز التنفسي للمواطنين الذين يجلسون أمامه لساعات طويلة منتظرين لحظة الانتهاء من إعداد الطعام.
ومنذ اندلاع الحرب المدمرة على القطاع، قطعت إسرائيل إمدادات الماء والغذاء والأدوية والكهرباء والوقود عن سكان غزة، وهم نحو 2.3 مليون فلسطيني يعانون بالأساس من أوضاع متدهورة للغاية.
وبعد ضغوط أممية ودولية سمحت إسرائيل بدخول مساعدات إنسانية محدودة جدا إلى غزة عبر معبر رفح المصري، والمخصص للمسافرين في المقام الأول.
وكان القطاع يستقبل يوميا نحو 600 شاحنة من الاحتياجات الصحية والإنسانية، قبل الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر، إلا أن العدد تدنى إلى نحو 100 شاحنة يوميا في أفضل الظروف.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت 19 ألفا و453 شهيدا فلسطينيا، بالإضافة إلى 52 ألفا و286 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية و”كارثة إنسانية غير مسبوقة”، بحسب مصادر فلسطينية وأممية.
**رسائل ماجستير ودكتوراه
قالت الإعلامية الفلسطينية إسراء المدلل، إن والدتها وشقيقيها اضطرا لحرق أطروحات الدكتوراه من أجل إعداد رغيف الخبز.
وأضافت المدلل، في منشورات لها قبل أيام على وسائل التواصل الاجتماعي: “رسالة الدكتوراه لأمي السيدة نعيمة ولاثنين من أشقائي الدكتورين عبد الله ومحمد، جمعوها هذا الصباح لإحراقها بدلا من الحطب والخشب الذي نفد، من أجل رغيف الخبز وكوب شاي ساخن”.
وتابعت: “بعد أن خدمت أمي عمرها مع الأمم المتحدة كأول امرأة مديرة المنطقة التعليمية في رفح لوكالة (أونروا)، وبعد أن فتحت بيوت علم وربت أجيالا وأسست نهجا تربوياً هو الأول في الشرق الأوسط، تحرق كل رسائلها للماجستير والدكتوراه، وكذلك فعل إخوتي بعد سياسة التجويع التي يطبقها العالم علينا، الكل مسؤول ومتخاذل ومشترك بالجريمة”.
وكذلك فعلت الفلسطينية ربا أسليم، التي اضطرت لحرق رسالة الماجستير خاصتها، لإشعال النار اللازم من أجل طهي القليل من المكرونة لأطفالها، التي حصلت عليها كمساعدات.
وكلما خفتت حدة النيران التي تشتعل تحت قدر الطعام، تمزق أسليم المزيد من أوراق رسالتها لضمان الاشتعال حتى ينضج الطعام.
وتقول وهي تضيف المزيد من الأوراق للنيران المشتعلة: “لم يعد لدينا خيارات، الإنسان احترق بفعل النيران الإسرائيلية، هل سنحزن لأجل هذه الرسائل؟”.
وتضيف للأناضول، وهي تنظر بحسرة إلى مجهودها الذي استغرق منها أكثر من عام: “هذه الرسالة كانت دائما تشعرني بالفخر، لكن اليوم نحارب التجويع من خلال إشعال النيران بأي وسيلة بعد نفاد الحطب الموجود لدينا، وارتفاع سعر الحطب المتواجد في الأسواق لأرقام كبيرة”.
**كتب ثقافية
في مدينة رفح أقصى جنوبي قطاع غزة، لجأت مجموعة من المواطنين إلى الكتب الثقافية الموجودة في مكتبة “البحرين”، التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” لاستخدامها في إشعال النيران.
هذه المكتبة، التي شكلت دائما قبلة للمثقفين والقراء وللأنشطة الثقافية والفكرية، تحولت إلى مصدر للوقود “الورقي” الذي يساهم في إشعال النيران لطهي الطعام.
وأفاد شهود عيان يقطنون بالقرب من هذه المكتبة، للأناضول، إن مجموعة من المواطنين دخلوا قبل أسابيع هذه المكتبة وأخرجوا مجموعات من كتبها لحرقها.
بدوره، قال المدون الفلسطيني حمزة أبو توهة في منشور على فيس بوك في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي: “مكتبة البحرين المليئة بما لذ وطاب من كتب وموسوعات نشأتُ في أحضانها منذ تأسيسها قبل 13 عاما، مررت بجانبها اليوم فوجدت الناس قد فتحوها وأخذوا كل ما فيها من كتب وأرفف وأخشاب حتى يشعلوا نارا تصنع لهم الخبز بعد انعدام الغاز والوقود”.
وأضاف: “جلست على ركبتي أبكي على مشهد الكتب والموسوعات التي يحملها الناس للحرق، بعد أن أحرق كثير منهم ملابس لهم لذلك الغرض”.
وتحتوي مكتبة البحرين التابعة لـ”أونروا”، والتي يتواجد منا فرعين منها الأول في جباليا شمالي القطاع والثانية في رفح، آلاف الكتب كما تضم مختبرا للحاسوب وقاعة سينمائية ثلاثية الأبعاد.
**مضاعفات صحية
فضلا عن أن هذه الكتب التي يتم حرقها تمثل خسارة معرفية، إلا أن الدخان المنبعث عنها يسبب مضاعفات صحية خاصة في الجهاز التنفسي للأشخاص الذين يجلسون قبالته أو يتعرضون له مباشرة.
النازحة أم رائد أبو غالي، التي تعيش في إحدى خيام النزوح قرب الحدود المصرية الفلسطينية، قالت للأناضول، إنها تشعل النيران بشكل يومي باستخدام الورق المأخوذ من كتب مدرسية.
وأضافت: “ابنتي جلبت معها بعض الكتب المدرسية خلال رحلة النزوح من مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة، فاستخدمتها في إشعال النيران لصناعة أكواب الشاي الساخنة، وبعض الطعام وفق ما توفر لديها من مساعدات إنسانية يتم توزيعها”.
وأوضحت أنها قبل رحلة النزوح، كانت تستخدم الحطب من أجل إشعال النيران، لافتة إلى أن استنشاقها المتكرر لدخان هذه المواد المحترقة أصابها بصعوبة في التنفس.
ويتعذر على أبو غالي التوجه للمراكز الصحية أو المستشفيات التي تعمل وفق نظام الطوارئ من أجل تلقي العلاج، معربة عن تخوفها من تفاقم وضعها الصحي.
وفي نوفمبر الماضي، حذرت منظمة الصحة العالمية من انتشار الأمراض جراء اكتظاظ النازحين في الملاجئ، وتعطل عمل النظام الصحي في بعض المناطق.
**سياسة التجويع
والاثنين، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية، إن استخدام الحكومة الإسرائيلية “تجويع” المدنيين كسلاح في غزة، يعتبر بمثابة “جريمة حرب”.
وأضافت في تقرير لها: “الجيش الإسرائيلي يتعمد منع إيصال المياه والغذاء والوقود، بينما يعرقل عمدا المساعدات الإنسانية، ويجرّف المناطق الزراعية، ويحرم السكان المدنيين من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم”.
ومن جهته، قال عمر شاكر، مدير شؤون إسرائيل وفلسطين في المنظمة: “لأكثر من شهرين، تحرم إسرائيل سكان غزة من الغذاء والمياه، وهي سياسة حث عليها مسؤولون إسرائيليون كبار أو أيّدوها، وتعكس نية تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب”.
وأضاف: “تضاعف الحكومة الإسرائيلية عقابها الجماعي للمدنيين الفلسطينيين ومنع المساعدات الإنسانية باستخدامها القاسي للتجويع كسلاح حرب”.
وفي 6 ديسمبر الجاري، أفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن 9 من كل 10 أسر في شمال غزة، وأسرتين من كل ثلاثة في جنوب غزة، أمضوا “يوما كاملا وليلة كاملة على الأقل دون طعام”، بحسب التقرير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى