الشاشة الرئيسيةمحليات

من ينقذ المياه من الاعتداءات والاستنزاف؟

الغواص نيوز

الغد
إيمان الفارس – وسط تفاقم تحديات المياه في بلد يستنزف موارده المائية فاقدا كبيرا، فنيا وإداريا (استعمالات غير مشروعة)، يقدر بنحو 46 %، وفق الأرقام الرسمية لا يزال مشهد المياه “المعتدى عليها”؛ يؤرق الأردنيين من شح يكاد يكون وشيكا، فيما طالب مسؤول سابق اعتبار سرقة المياه “خيانة وطنية”
وباتت ظاهرة الاعتداءات على المياه في مختلف مناطق المملكة؛ مشهدا متكررا ولا ينخفض خطورة عن أي مشهد جرمي آخر، سيما وأن تلك الظاهرة أضحت تهديدا حقيقيا على كميات المياه المتوفرة، والتي تعاني أصلا عجزا ضخما عاما بعد عام.
ورغم استمرار حملة إحكام السيطرة على مصادر المياه التي بدأت اعتبارا من حزيران (يونيو) العام 2003 حتى الوقت الراهن، ورغم ارتفاع حجم الضبوطات التي سجلت ولا تزال مستمرة، إلا أن تلك الجهود من قبل وزارة المياه والري – سلطة المياه وبتنسيق أمني، لم تفلح بشكل حقيقي وحازم باتجاه درء تلك الممارسات، بدليل تكرارها عقب ضبطها واستمراريتها بشكل واضح.
وفيما لم تتجاوب وزارة المياه والري مع تساؤلات “الغد” إزاء آخر إحصائيات تتعلق بحجم الاعتداءات على المياه منذ بدء حملة “السيطرة على المياه” حتى الآن، أو حتى مجموع كميات المياه التي تم توفيرها حتى الآن جراء ضبوطات الاعتداءات منذ بدء الحملة حتى الوقت الراهن، أكد أمين عام سلطة وادي الأردن الأسبق دريد محاسنة ضرورة تغليظ القانون والعقوبات لمكافحة هذه الآفة.
وأوصى محاسنة بأهمية “اعتبار سرقة المال العام الناجم عن الاعتداء على المياه أو عدم دفع أثمانها، بأنها خيانة للوطن”، مشيرا لضرورة تحقيق العدالة في تطبيق القانون ليكون شاملا لكامل المناطق “دون السماح لأصحاب النفوذ بالتدخل أو الواسطة لحل مثل هذه القضايا”.
وقال خبير المياه الدولي إن “الاعتداءات على المياه تشمل ثلاث مجموعات تتوزع ما بين الاعتداء على المال العام من خلال سرقات المياه دون الحاجة إليها، والمجموعة الثانية هي من يسرق المياه ممن لا تصله المياه، أما المجموعة الثالثة فهم من يستخدمون المياه ولا يدفعون ثمنها”.
من ناحيتها، أشارت المسؤولة الإقليمية في إدارة جودة المياه سوزان الكيلاني إلى أولوية المضي بحلول خفض الفاقد البالغ 50 %، وفق الكيلاني التي أضافت أن هذه القضية تعد من المبادرات الأولى للمعالجة، وحددت هدفا لخفضه بما نسبته 2 % سنويا، وصولا إلى فاقد لا يتجاوز 25 % في غضون العام 2040، حيث أطلقت وزارة المياه والري استراتيجية خفض الفاقد.
وبينت الكيلاني أنه “وفقا لتشخيص هذه القضية، فإن دراسة استراتيجية الفاقد المائي الوطنية لقطاع المياه التي أجرتها وزارة المياه والري والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، قدرت تكلفة معالجة الفاقد الفني، والذي اعتبرته الكيلاني النزيف الحقيقي في الشبكات وبحاجة لاستثمارات ضخمة وإعادة تأهيل البنية التحتية، ما يتجاوز 1.3 مليار دينار، وذلك إلى جانب 60 مليون دينار سنويا للإدامة، وهو ما يتطلب وقتا طويلا”.
واعتبرت الكيلاني في هذا السياق، أن “مكافحة الفاقد الإداري، أو ما يسمى بإحكام السيطرة على مصادر المياه، هو الحل بوتيرة أسرع في حال تم تطبيق وتفعيل قوانين وتغليظ العقوبات على مرتكبيها والعدالة في تطبيقها على الجميع، لتكون السجن وعدم استبداله بغرامة”.
وفي سياق تعديل التشريعات لتغليظ العقوبات بهدف حماية كميات المياه المخصصة للمواطنين، فإن قانون العقوبات المتعلق بقضايا المياه، كان “غلّظ العقوبات، والتي تصل فيها الى السجن لمدة تزيد على عدة سنوات وغرامات بآلاف الدنانير، لكل من يحاول الاعتداء على خط مياه او العبث بمقدرات المياه والصرف الصحي، أو الوصلة المنزلية، إلا أن التوصيات باتجاه تشديد العقوبات لا تزال ملحّة”.
ووفق تصريحات سابقة لوزير المياه والري محمد النجار، فإن الوزارة – سلطة المياه ماضية في تنفيذ خططها الهادفة لرفع سوية التزويد المائي وتحسين كفاءة التوزيع وتقليل الفاقد وتخفيض كلف الطاقة عبر مشاريع الفارة (FARA) لزيادة كميات المياه وتوفيرها للمواطنين، والممولة من خلال منحة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وبحسب الاستراتيجية الوطنية للمياه للأعوام 2016 – 2025، فإن الحكومة اقترحت استهداف تخفيض فاقد المياه بما يتراوح بين 3-6 % سنويا مع استهداف تخفيض الفاقد على المستوى الوطني إلى 25 % بحلول العام 2025، في حين اقترحت رؤية التحديث الاقتصادي اقترحت تقليل نسبة الفاقد من المياه سنويا في المملكة بنسبة 2 %، كجزء من المبادرات المتعلقة بقطاع المياه.
وكان تقرير حالة البلاد للعام الماضي 2021، قدّر الاحتياجات المنزلية المستقبلية من المياه في الأردن بعد عشرة أعوام، مشيرا إلى أن الأردن سيحتاج، إذا ما بقي تزويد المياه للفرد على حاله 70 لترا، وعدد السكان 14.1 مليون نسمة بزيادة سكانية 2.5 % سنويا، إلى 637 مليون متر مكعب، أي بزيادة 140 مليون متر مكعب للتزويد الحالي، مع بقاء استنزاف المياه الجوفية والفواقد كما هي”.
وأوضح التقرير في السياق ذاته، أنه “بعد 20 عاما، يصبح عدد السكان 18 مليون نسمة، وسيكون الأردن بحاجة إلى 900 مليون متر مكعب، أي بزيادة 400 مليون متر مكعب على التزويد الحالي”.
وفي حال زيادة حصة الفرد اليومية إلى 100 لتر، يحتاج الأردن بعد 10 أعوام، مع استمرار الاستنزاف والفواقد، إلى 910 ملايين متر مكعب، أي بزيادة 310 ملايين متر مكعب، فيما بعد 20 عاما، سيحتاج إلى 1280 مليون متر مكعب، أي بزيادة 780 مليونا على التزويد الحالي.
وبالإضافة لما ورد من تقديرات إزاء الاحتياجات المائية، أورد “حالة البلاد” أن “من أبرز التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لقطاع المياه والري، وقف الاعتداء على البنية التحتية والمشاريع ومصادر المياه والآبار وخطوط المياه واستخدامها بطريقة غير شرعية”.
ومن أبرز أنواع الاعتداءات على المياه؛ ضبوطات على خطوط المياه المزودة لبعض المناطق لأغراض تزويد شاليهات سياحية بطريقة غير قانونية ومخالفة تسحب من حصص المواطنين المخصصة لغايات مياه الشرب بكميات كبيرة، إلى جانب تعبئة برك مياه زراعية لأغراض الري الخاصة.
أما عن آخر إحصائية أعلنتها وزارة المياه والري – سلطة المياه، حدث ما مجموعه 13 ألف اعتداء على الخطوط الناقلة للمياه منذ صيف العام 2021 الماضي وحتى نهاية تموز (يوليو) الماضي، ونحو 71 ألفا منذ العام 2013.
وضبطت الوزارة 372 اعتداء على خط ناقل مياه الديسي منذ بداية العالم الحالي حتى نهاية أيار (مايو) الماضي.
وحول مجموع الآبار التي ردمت منذ بداية الحملة في حزيران (يوينو) 2013، فوصل إلى 1284 بئرا مخالفة، وضبط 92 حفارة مخالفة، بالإضافة إلى 70927 ألف اعتداء على خطوط المياه، وإزالة 2572 اعتداء على أراضي الخزينة، فيما تم ضبط 27200 اعتداء على قناة الملك عبدالله.
فهل ستبقى “المياه” الحلقة الأضعف في ملف الحماية الأمنية، وإلى متى ستظل رهنا للاعتداءات؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى