أنور خليل: حالة الفنان الأردني “لا تسر حبيبا ولا عدوا”

يرى الفنان الأردني أنور خليل ضرورة أن يكون الفنان متحركاً وليس ساكناً كي يبدع في أعماله، وأن يكون قادراً على إتقان اللهجات العربية كافة، رافضاً في الوقت نفسه أن يكون فناناً ميكانيكياً، وأن يختار ما يناسب أداءه من الأعمال المطروحة على الساحة الدرامية.
ويؤكد خليل أنه ليس مع البطولة المطلقة وأنه مع البطولة الجماعية، كما أنه ضد أي عمل يسهم في تشويه ذائقة المجتمع.
ويبين خليل الذي ينشغل حالياً في تصوير مشاهد المسلسل البدوي “ثمن الجديلة”، والمسلسل القروي البدوي “هند”، أن هنالك تراجعا في الحركة الدرامية مع غياب الدعم الحكومي الذي من المفترض أن يكون له دور أكثر إيجابية، ويتمثل ذلك في اتباع خطوات فعلية لإنقاذ الحالة الفنية وعودتها إلى مكانتها، كما كانت في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، عندما كانت تتبوأ مكانة متقدمة تفوق الدراما العربية، وكان الإنتاج الفني للتلفزيون الأردني له دور إيجابي، كما كان هناك شركة إنتاج أسهمت في ارتقاء الحالة الفنية برمتها، وبخاصة الأعمال الدرامية التي لا تغيب عن الشاشات العربية، وفق ما ذكره لـ”الغد”.
وأشار، في السياق نفسه، إلى أن الدعم الحكومي الذي يعتمد على الفزعات “لا يسمن ولا يغني من جوع” في ظل عدم التحرك الإيجابي المدروس الذي يتمثل في معالجة الاختلالات التي أدت الى تراجع الحالة الدرامية، وهذا يستدعي إنشاء صندوق خاص لدعم الدراما وإنشاء شركة إنتاج حكومي من أجل أن تتعافى الدراما وتعيد ألقها وإثبات وجودها في عالم الدراما العربية، معرجاً على حالة الفنان التي أضحت مريرة و”لا تسر حبيبا ولا عدوا”.
ولا يرى صاحب المسيرة الفنية الطويلة على مدى أربعة عقود، أنه لن يكون هناك تفاعل إيجابي وتشاركية مع الحالة الفنية من الجهات الحكومية، ما لم يكن هناك قرار سيادي، يعيد انتعاش الدراما إلى حاضنة المقدمة؛ إضافة إلى دعم شركات الإنتاج الفني الخاص، وبخاصة في خضم وجود متخصصين ومنشغلين لديهم الدراية الكافية بالهم الفني ومعالجة شوائبه، والابتعاد عن العمل العشوائي الذي أسهم في إرجاع الحركة الفنية إلى الخلف، فالعمل الجماعي المدروس بدقة وعناية هو الأساس الذي يداوي الغلة، وإزاحة الأشواك الشائبة عن طريق التقدم إلى الأمام.
وعاد خليل للتذكير بغزارة الإنتاج الدرامي في العقود الماضية من خلال مسلسلات: “وضحا وابن عجلان، نمر بن عدوان، قرية بلا سقوف، أم الكروم، حارة أبو عواد وغيرها”، إلى أن غابت العام 1990، ولمدة ثلاثة عشر عاماً، لأسباب عدة من أهمها حرب الخليج، لتعود مرة أخرى عن طريق شركات الإنتاج الفني الخاص التي قدمت العديد من الأعمال الدرامية الكبيرة المهمة بحرفية عالية المستوى أردنياً وعربياً ودولياً، لكن المشكلة بكمية الإنتاج القليلة، وفق ما ذكره.
رغم أن الدراما الأردنية تحظى بجمهور عربياً ومحلياً، إلا أنها ما تزال مترنحة، وليس بكم المأمول، ما جعلها، بحسب خليل “غير منافسة بين الدراما المصرية والسورية والخليجية واللبنانية والمغربية”، والسبب قلة الاهتمام بالدعم للدراما الاجتماعية والبيئية المحلية أو المودرن، والتركيز على الدراما البدوية أكثر من غيرها، ما يتطلب ذلك تغييراً وتعديلاً على محتوى ومضمون الدراما البدوية، لأن الدراما تعتمد في ديمومتها على التجديد والتغيير وعدم التقوقع في إطار واحد.
ولعدم حضور وفاعلية الدراما الأردنية على الشاشات العربية، اختصر خليل بالقول: “إنها لم تعد تمتلك مفردات النجاح والقبول والبث والشراء والمنافسة مع الآخرين من ناحية الإبهار والتنوع والتجديد واستعمال التقنيات المعاصرة المتطورة في الإضاءة والصوت والمونتاج والمكساج، والإبداع”.
ولحل مسألة الدراما الشائكة والمعمقة منذ زمن، يرى أهمية قناعة واقتناع أصحاب القرار بدور الدراما في خدمة الوطن والأفراد من تبني خريطة طريق لإصلاح مسار الدراما الأردنية وجعلها في مكانها الحقيقي، مشيراً إلى أن أهم المسائل التي تؤرق الفنانين هي قلة الإنتاج الدرامي والفني، ما يستدعي ذلك، بحسبه، أن تبادر الحكومة ممثلة بوزارة الثقافة ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون ونقابة الأردنيين وشركات الإنتاج الفني الخاص بالتكاتف فيما بينها، لتوفير فرص العمل.
ويرى خليل، وفق رؤيته الشاملة للحالة الدرامية، أن أصحاب القرار لا يؤمنون بجدوى وظيفة الدراما في تنمية المجتمع، بخاصة الدراما المحلية وصناعة النجم، وهذا يحتاج لصاحب قرار مسكون بالهاجس الإبداعي، وبالوقت نفسه بحاجة لفنان ملتزم يعرف تماماً مدى المسؤولية التي يحملها على عاتقه، ويعترف بالآخر، ويقدم إمكانياته حتى يتحقق التكامل المهني والفني المقنع للمجتمع.
ودعا العاملين بالوسط الفني إلى التعامل مع بعضهم بعضا بالاحترام والتقدير والمحبة كونهم سفراء يؤدون رسالة قيمة تنقل هموم المجتمع عبر تجسيدها بأعمال فنية، معبراً عن تفاؤله بجيل الشباب الجديد العامل في القطاع الفني، والذين يمتلكون إمكانيات إبداعية ويحتاجون إلى دعم وتوفير فرص لتشغيلهم كي لا يفقدوا الأمل في إبراز إبداعاتهم في المساقات الفنية.
ويشير في تأكيده إلى أهمية الابتعاد عن العمل الفردي الذي لا يسهم في الارتقاء بالفن وانتعاشه ووضعه في مساره الصحيح، لافتاً إلى ضرورة الابتعاد عن المزاجية في العمل الإبداعي الذي من المفترض أن يكون حراً، ويقدم الصورة الأبهى للوطن.
ويؤكد بالقول: “ينبغي أن نتحلى بالشفافية والموضوعية والحقيقة والصدق، لأن تعاملنا مع القيم الإنسانية يحتم علينا أن نحتفظ في صدورنا وقلوبنا وذاكرتنا بالوفاء والعرفان، لكل من أسهم في بناء وصياغة شخصياتنا كمبدعين، ومن لا يمتلك هذه القيم فهو قطعاً خارج نطاق الدائرة الإبداعية.. وعلينا الاعتراف بالآخر وقدراته وطاقاته والابتعاد عن الشللية السلبية لتحقيق منظومة التكامل الاجتماعي والمهني”. ويذكر أن الفنان أنور خليل من مواليد عمان العام 1953، حصل على درجة البكالوريوس من جامعة دمشق في 1975، عمل في مجال الهندسة الزراعية في مدينة دبي باﻹمارات العربية المتحدة، ثم عاد بعدها بفترة قليلة إلى الأردن.
عمل الفنان خليل بعد عودته في الدراما التلفزيونية في منتصف السبعينيات، وكان الكثير منها أعمالا ذات صبغة تاريخية، منها: “هارون الرشيد”، “زنوبيا”، “عروة بن الورد”، “عبد الرحمن الكواكبي”، والعديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية والمسرحية.