الشاشة الرئيسيةمقالات

سليم البطاينة: جهل باهض التكلفة جحافل التتار تُهاجم كشك أبو علي للثقافة والكتب

الغواص نيوز

المهندس سليم البطاينة
هل للجهل ثمن ؟ فمن منا فكر على المستوى الوطني أن يحسب تكلفة الجهل ؟ فالإدارة التي تُدار من خلال الجهل لها ثمن باهظ.
فالمعالم الثقافية لأية مدينة تُشكل رمزاً وهوية وتاريخاً للشعوب وتحتل مكانة مهمة ليس فقط في الوعي إنما أيضاً في اللاوعي عند كل شعب من شعوب الأرض.
فما شهدناه قبل أيام من مصادرة لكتب كشك ابو علي ووضعها بضاغطة شاحنة النفايات كان مذبحة ثقافية وتصرفاً غير لائق وخطيئة كبرى شكل حالة من الغضب العارم لدى المثقفين وهو شبيه للمجزرة التي نفذها الحزب النازي في ألمانيا عام ١٩٣٩ عندما صعد للحكم وكان أول قرار نفذه هو جمع الكتب وحرقها.
فما حصل بحق كشك أبو علي كان محاولة لتدمير أحد المعالم الثقافية واختلال التاريخ وسط عمان العاصمة يجب ألا يمر مرور الكرام …. فهناك على ما يبدو إصراراً من البعض على تقديم الجهل على العلم …. فما زال لدينا من هم مصابون بالحول الفكري وقصر النظر وخللاً في الأولويات …. فكشك أبو علي يعتبر من المرافق الأساسية في عمان ولطالما كان وجهة للمثقفين والسياسيين الأردنيين.
فقد كان على جحافل التتار أن تعلم أن إشغال الأرصفة بالخضروات والألبسة والدخان يختلف عن إشغاله بالكتب والصحف والمجلات …. فللكتب احترامها فهي خلاصة الفكر والمعرفة …. ففي كل دول العالم يتم احترام الثقافة قبل أي شيء وتأخذ أسواق الكتب عناية وتقديراً خاصاً ويتم تخصيص أجمل المناطق لهذه الأسواق … فعلى سبيل المثال في لندن تم تخصيص أحد الأرصفة لنهر التيمز بجوار ساعة بيج بن وفِي موسكو أيضاً على رصيف نهر الفولغا …. الخ.
فقد ارتبطت أسماء عديد من المدن العربية بالمراكز الثقافية الموجودة فيها سواء كانت رسمية أو شعبية على شكل أكشاك صغيرة كما هو كشك أبو علي بعمان وكشك مدبولي في القاهرة.
فلنحافظ على عمان وفولكلورها وتاريخها القديم والذي طالما تغنينا به …. فعمان ذاكرة حنين لماضي بيوت ودكاكين وأكشاك ومخافر …. وذكرى ندية وروائح وردية تُبعث من محلات قاع المدينة …. ففي وسط البلد حيث عمان القديمة والعتيقة نعيش بها بكل جواروحنا …. فهناك معالم وأمكنة كثيرة لا يكون بها وسط عمان من دونها فقد اختلّت زاوية سوق الصاغة حين غادرها إلى الأبد أحد أبرز معالم وسط البلد بائع الفستق أبو أحمد النيجيري الذي وقف ستون عاماً أمام واجهة سوق الذهب …. فبمرور السنين أصبح المكان الذي يقف فيه المرحوم بائع الفستق مع عربته الصغيرة معلماً وعنواناً للمارة والقاصدين وسط البلد …. فوسط البلد له تضاريس مدهشة فجميع الشوارع تصب نزولاً إليه.
فعمان هي حكاية حب وورد وأدراج وأزقّة ودخلات عشق وكانت صغيرة لها تاريخ …. فهي ذاكرة المكان والإنسان والزمان فحتى الأماكن الشعبية ما زالت وستبقى تُحاكي تاريخ عمان.
وهناك أيضاً شخصيات وتجار وأسماء محلات تجارية ودكاكين وأكشاكاً شكلوا جزءاً من تاريخ عمان وفلوكلورها كمطعم هاشم وكنافة حبيبة وصاحبها الحاج محمود حبيبة صانع أول كنافة نابلسية في وسط عمان …. وكشك أبو علي للثقافة والذي كان حبيب وصديق للمثقفين القراء ومنهم الفقراء فقد كان يسمح للطفرانين بأن يمارسوا ثقافة على الرصيف بالمجان وأن يقلبوا الصحف والكتب والمحلات كما يريدون …. وهناك أيضاً معالم أخرى كمطعم القدس وجبري ومقهى السنترال ومحل عقروق الطرابيش الحمراء والصالون الأخضر والمحل الشهير لمسح الأحذية وتصليحها …. ولن ننسى هريسة المارديني وبائع القطايف في أعلى درج الكلحة ومحمص بسمان وحلويات هيكل ومحلات عزيزية و دكان الشالاتي للعصائر الذي ارتحل من دمشق في أربعينات القرن الماضي صاحب أقدم واشهر محل لبيع العصائر الطبيعية …. فجميعهم كانوا من وجوه عمان البارزة…. فعمان باتت جزءاً صغيراً من ذاكرة وسط البلد.
ففي ساحة الملك فيصل دخلات صغيرة لها تاريخ يحاكي عمان كدخلة ماضي والحايك نسبة لأشهر محلات بيع الاقمشة في ثلاثينات القرن الماضي …. ودخلة سوق الذهب ودخلة حبيبة ودخلة سفريات طبلت ودخلة رجب خشمان ودخلة شريم ودخلة سينما فلسطين.
وعمان ذاكرة حنين لسياسيين كهزاع المجالي ووصفي التل و عبد الحميد شرف وحابس المجالي ومحمد رسول الكيلاني وصلاح أبو زيد …. الخ ومثقفين أمثال عبد الرحمن منيف وسليمان عويس وحبيب الزيودي وحيدر محمود …. وفنانين تغنوا بعمان وغنو لها كنبيل المشيني ورشيدة الدجاني وحسن ابراهيم وعبير عيسى وموسى حجازين وربيع شهاب وزهير النوباني و كوثر النشاشيبي و فريال زمخشري و عائشة التيجاني و مازن القبج و ابراهيم الذهبي و محمد امين وغيرهم من القامات منهم من رحل ومنهم من على قيد الحياة …. واسماعيل خضر بأغنيته بلدي عمان وصبري محمود عمان هلالك طالع وفارس عوَض عمان يا دارة المعزة …. وفيروز عمان في القلب ونجاة الصغيرة ارخت عمان جدائلها.
وهناك مفكرون عرب كتبوا عن عمان مثل قسطنطين زريق المفكر المؤرخ السوري وأحمد صدقي الدجاني وادونيس وسهيل ادريس رجل الفقه العربي.
فالاحلام لا بد لها أن تتحقق في يوم من الأيام وانطلاقاً من بسطة كتب …. فمن منكم قرأ كتاب تدمير الذاكرة للرسام الإنجليزي Robert Bevan 1865-1925.
نائب اردني سابق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى